طباعة
حجابها على الأرض... ودمها على السطح: رصاصة الاحتلال فجّرت رأس الحاجة زهية
كانت السهرة الأخيرة للحاجة المقدسية زهية جودة العبيدي (66 عامًا)، على سطح بيتها في مخيم شعفاط، سهرة دافئة برفقة أولادها وأحفادها، دفء العائلة، وضحكات الأطفال، وأحاديث متواصلة، تحولت في لحظة إلى ليلة دامية، حين أنهت رصاصة واحدة حياة الجدة المحبوبة.
قبل منتصف الليل، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم شعفاط، في قوة راجلة كبيرة، وأخرى بمركبات خاصة، انتشرت في عدة شوارع وأزقة، تنقلت بصمت، وراقبت المكان من زواياه المعتمة، ثم بدأت بالانسحاب تدريجيا، وسط هدوء كامل داخل المخيم، فلا مواجهات أو أي أحداث تذكر، وخلال انسحابها، وجّه أحد الجنود شعاع كشاف الليزر (الضوئي) نحو سطح بناية عائلة العبيدي وأطلق رصاصة واحدة نحو الحاجة زهية، فجرت رأسها، وسقطت على الأرض شهيدة على الفور.
كانت الحاجة زهية المريضة بالضغط والسكري وتعاني من آلام مزمنة بالعظام، تجلس على كرسيها المعتاد في إحدى زوايا السطح، أدارت وجهها لتتابع مشهد انسحاب الجنود من بعيد، حيث وجّه أحد الجنود شعاع كشاف الليزر نحوها، ثم أطلق رصاصة واحدة كانت كفيلة بقتلها.
آثار دم الشهيدة الستينية زهية جودة العبيدي ما زالت ماثلة على سطح البناية، أصابع يدها طُبعت على أحد الجدران التي استندت إليه فور إصابتها، والبقعة الأولى التي وقعت فيها سالت منها الدماء بغزارة، ثم نُقلت على عجل، مضرجة بدمائها التي لطّخت الدرج ومدخل البناية.
ولحفظ آثار الدماء من الزوال، قامت العائلة بوضع الطوب حوله، كشاهد على الجريمة، كما أن حجاب رأسها لا يزال في المكان، وعليه بقايا واضحة من دمائها، وهو شاهد آخر على هول المشهد."
نُقلت بسيارة حفيدها كايد الذي حاول الإسراع بها إلى أقرب مركز صحي، لعلها تنجو، لكنها كانت قد نزفت بشدة.
كايد جودة، 22 عامًا، كان إلى جانبها لحظة الإصابة، الشاهد على الجريمة. يقول: "بتمنى لهاي اللحظة تكون حلم... نمت العصر عشر دقايق وصحيت، بدي حدا يقول اللي صار كان حلم، وإنه ستي لسا موجودة... مش قادر أصدق."
يروي كايد تفاصيل تلك اللحظة ويقول:"كنا قاعدين وسهرانين على سطح العمارة، الجيش اقتحم المخيم، وما كان فيه أي صوت، المنطقة هادئة تمامًا، وأنا وجدتي والعائلة جالسون على الكراسي، ستي رفعت راسها قليلا لترى أسفل البناية، كان عدد من الجنود يسيرون على بعد مسافة كبيرة من البناية، وفجأة أضاء الليزر عليها، ثوانٍ بعدها، أطلقت رصاصة واحدة أصابت رأسها."
يُتابع كايد:" الرصاصة اخترقت رأسها، وفي لحظة رأيتها على الأرض، راسها كان مفتت، مقسوم نصفين... للحظة لم أستطع الاقتراب منها، نزلت أصرخ، وحضر افراد العائلة وساعدوني بحملها."
وأضاف: “في المركز الطبي، فحصها الطبيب المناوب بسرعة، ولخطورة حالتها طلب نقلها بسيارة الإسعاف الى الحاجز العسكري وابلغنا بطلبها لنا، سيارة إسعاف كانت بانتظارنا، ثم جاءت سيارة اسعاف مخصصة للحالات الخطرة وبعد فحصها وابلاغنا بوفاتها، سارت أقل من 30 مترًا، حيث اعترضت القوات الخاصة طريقنا وطريق الإسعاف، لم يُسمح لأي منا بالسير خلف الإٍسعاف، وسمح لجدي فقط بالسير خلفهم، لكنه تُرك لاحقًا في الطريق، دون معرفة مصيرها أو المكان الذي نُقلت إليه".
يقول كايد: "كل ليلة نسهر على السطح، كبار وصغار، شباب ونساء... هذه سهرتنا اليومية، واستهدفوا جدتي برصاصة قاتلة وكان حولها أطفال كُثر... الجندي الأخير في الانسحاب هو من أطلق النار نحو الطابق الرابع، قنصها وفجّر رأسها."
بعد نحو ساعتين من استشهادها، عادت قوات الاحتلال واقتحمت الحارة بالكامل، وداهموا بيت العائلة، وحققوا مع كايد، كونه أحد الشهود، فُتح تحقيق ميداني، وفتشت القوات السطح والمكان الذي جلست فيه الحاجة زهية، وعاينت آثار الدماء، ثم انسحبت مجددًا.
أما نجلها إيهاب جودة، فيقول:"كنا سهرانين على سطح البناية كعادتنا في كل ليلة، نزلت فترة قصيرة جداً الى البيت، وبعد شوية سمعت صوت صراخ، طلعت بسرعة... شفت أمي على الأرض، نص مخها برا... قمنا نحملها وركضنا فيها داخل السيارة. خلال الطريق، فقدت أنا الوعي تمامًا."
وأضاف :"وصلنا للمركز الصحي، حاول الطبيب إنعاشها، ثم تم نقلها الى سيارة الإسعاف التي كانت بانتظارنا على الحاجز العسكري، حاولوا إنقاذها لكن أبلغونا بوفاتها، وأن كل محاولات الإنعاش فشلت."
يضيف:" سألنا القوات التي حاصرتنا إلى أين سيتم نقلها، قالوا إلى مستشفى هداسا – العيسوية، ذهبنا إلى هناك، لكنها لم تكن، وبعد اتصالات كثيرة، عرفنا أنها محتجزة لدى سلطات الاحتلال."
وقال إيهاب:" سهرنا على سطح بيتنا، شو كان الخطر؟ شو الخطر بوجود أم على كرسيها وسط أولادها؟ قتل واحتجاز جثمان!"
ويطالب كايد المؤسسات الحقوقية والإنسانية بـالتحرك الفوري لاسترداد جثمان والدته، وتسليمها للعائلة لدفنها بكرامة.

