عن سلوان

سلوان ... تحت المجهر

لمحة تاريخية

تقع بلدة سلوان الى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك... وتُعد من أكبر البلدات الفلسطينية مساحة وأقدمها وأكثرها قربا من المسجد الأقصى المبارك...إذ لا يفصل بين مدخلها الشمالي – حي وادي حلوة- والمسجد إلا سور القدس الجنوبي المحاذي لحي وادي حلوة.

ويقول المؤرخون والباحثون أن بلدة سلوان كانت النواة الأولى التي بنيت عليها القدس قبل أكثر من 5 آلاف سنة من قبل اليبوسيين وأطلقوا عليها اسم "يبوس"، وهم من القبائل الكنعانية التي سكنت فلسطين، وهم أول من عرف زراعة الزيتون في البلاد، وكانت القدس قد أقيمت على أربعة تلال أكسبتها أهمية إستراتيجية وهي:

  •  جبل صهيون: وهي المنطقة التي يقام عليها الآن حي النبي داود وحارة الأرمن.
  •  جبل موريا: وهو الهضبة التي يقوم عليها الآن المسجد الأقصى.
  •  جبل بيزتا: وهو البقعة التي تقوم عليها أحياء باب حطة وباب الساهرة.
  •  جبل أوفل: التل الكائن بين سور الأقصى وقرية سلوان والتي يطلق عليها تل الضهور. “المفصل في تاريخ القدس”

غير أن البناء والعمران في سلوان بدأ في العصر الأموي ويرجح هذا القول الحفريات جنوب المسجد الأقصى المبارك، والتي تظهر للعيان اليوم القصور الأموية التي شيدها الخلفاء الأمويون لإبراز تعلقهم بالمسجد الأقصى... بأبنية حجرية منخفضة الارتفاع وكانت معظم بيوت القرية مقتصرة على السفح الشرقي لوادي قدرون- وادي جهنم- ومع تزايد التعداد السكاني اتسعت رقعة البناء لتشمل جميع أنحاء سلوان.”تلة سلوان- نواة القدس. علياء الزعبي”

تقوم بلدة سلوان على سلسلة منحدرات تفصل بينها عدة أودية أهمها وادي حلوة وادي الربابة وادي ياصول، ومن أحيائها حي البستان، بئر أيوب، عين اللوزة، بطن الهوى، الحارة الوسطى، رأس العامود، صويلح، الشياح، الفاروق، والثوري- وهو من أكبر الأحياء التابعة لمنطقة سلوان التاريخية يبلغ عدد سكانه قرابة 15 ألف نسمة وهو يقع في الناحية الجنوبية الغربية لبلدة سلوان، وقسم كبير من حي الثوري تم احتلاله عام 1948.

وسميت سلوان بحامية القدس لان حدودها تشكل قوسا يمتد من الناحية الشرقية الجنوبية حتى الجنوبية الغربية


سكان وأهالي بلدة سلوان

تتميز سلوان بأنها مجتمع عشائري في إطار عائلي ونسيج متماسك، يتكون من عدة حمائل: الروايضة والذيابية والمهربشية والنجادة والصيامية والعباسية والقراعين والمحاريق والعليوات.

الأهمية الدينية لبلدة سلوان

تتمتع بلدة سلوان بسمة دينية مميزة.. ففيها عين سلوان وبئر أيوب، وقد روي الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: "ان الله اختار من المدائن أربعا مكة وهي البلد الحرام...والمدينة وهي النخلة المنورة... وبيت المقدس وهي الزيتونة... ودمشق وهي التين.

واختار من العيون أربعا ففي سورة الرحمن يقول "فيهما عينان تجريان..وفيهما عينان نضاختان" أما اللتان تجريان فهما عين سلوان وعين بيسان، واما نضاختان فهما زمزم وعين عكا.

وقال خالد بن معدان أن عيني زمزم وسلوان من عيون الجنة.

كما أن بئر أيوب تقول كتب السيرة أن الملائكة قد حفرتها إكراما لنبي الله أيوب.. وطول البئر ثمانون ذراعا... وعرضه أربعة أذرع .. وهو مبني بحجارة عظيمة لا يمكن للإنسان أن يحملها أو ينقلها، ويقول الله تعالى " أركض برجلك هذا مغتسل  بارد وشراب"،  لنبي الله أيوب حتى يشفي من مرضه... فنبع الماء من هذا البئر، هذه المكانة الدينية لم يوليها الفلسطينيون والعرب الاهتمام الكبير." الأنس الجليل بين القدس والخليل الجزء الثاني


اشتهرت بلدة سلوان حتى الخمسينيات من القرن الماضي بالزراعة لخصوبة أراضيها الواسعة ووفرة المياه والينابيع... وكانت البلدة تعتبر واحدة من أهم السلال الغذائية للمدينة المقدسة، ومن أشهر المحاصيل الحبوب، القمح، الشعير، البقوليات، الخضراوات... ومن الأمثلة الشعبية التراثية التي يعتز بها السلاونة- للدلالة على شهرة بلدتهم بالزراعة" جاي تبيع السلق على أهل سلوان." وهو مرادف للمثل الشعبي " جاي تبيع المي بحارة السقايين ! ".. وأشجار الزيتون والتين التي كان يغطى مساحات واسعة من الأراضي والرمان ودوالي العنب، غير أنه مع التزايد السكاني والتوسع العمراني تقلصت الى حد بعيد عن البساتين والأراضي المزروعة.

سلوان تحت الاحتلال

سقطت مدينة السلام...سقطت القدس ابان النكسة ما يسمى "حرب  الأيام الستة" في حزيران عام 1967، كما سقطت الضفة الغربية وشبة جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية.

كانت بلدة سلوان من أهم البلدات التي وضعت سلطات الاحتلال عينها عليها، فصادرت قرابة 73 ألف دونم من أراضيها الواسعة مباشرة بعد حرب 67 والتي كان امتدادها حتى الخان الأحمر، اضافة الى مساحات واسعة تم السيطرة عليها بعد حرب 48.

وتعتبر سلطات الاحتلال حي وادي حلوة من بقايا "مدينة داوود" أما أحياء العباسية وحي البستان ووادي الربابة فتعتبرها  حدائق خلفية "لمدينة داوود".

أما في القسم الشرقي الجنوبي من سلوان، وبالتحديد منطقة رأس العامود التي تتمتع بموقع استراتيجي فقد بنى المستوطنون مستوطنة تتحكم بشارع القدس – أريحا القديم، كذلك الشوارع والطرق المؤدية إلى داخل أحياء بلدة سلوان، ولتعزيز قبضتها قامت السلطات الإسرائيلية بإصدار أوامر هدم لعشرات المنازل في مختلف أنحاء البلدة.

وادي حلوة

برز حي وادي حلوة وهو المدخل الشمالي الرئيسي لبلدة سلوان والملاصق لسور القدس والمسجد الأقصى المبارك والى باب المغاربة في واجهة الاستهداف الإسرائيلي نظرا لأهميته التاريخية وادعاء الجمعيات الاستيطانية وعلماء الآثار بايجاد حجارة للهيكل المزعوم في هذا الحي.

منطقة القصور الاموية

تقع القصور الأموية على مدخل بلدة سلوان على الجهة الشمالية ، ويعد من أحد أهم المواقع الأثرية الإسلامية، سيطرت سلطات الاحتلال على المنطقة، وتم افتتاحها في حزيران 2011 على انها "مطاهر للهيكل المزعوم"، حيثُ بنت فيها مدرجات ومنصات حديدية على شكل مسار أطلق عليه "مسار توراتي لمطاهر الهيكل"، وتتواصل عمليات الحفر في منطقة القصور الأموية منذ سنوات ، وقامت السلطات بسرقة حجارة ضخمة وأتربة من الموقع.

ازدادت وتيرة عمليات الحفر والتنقيب ومصادرة الأراضي من جهة والاستيلاء على المنازل بطرق ملتوية وتسريب الكثير منها للمستوطنين بدون وجه حق من قبل أصحاب النفوس المريضة والمصالح الشخصية على حساب الأرض والانسان الفلسطيني المرابط.

في بداية عام 1986 تأسست جمعية العاد الاستيطانية ادعى رئيس الجمعية حينها أنه دليل سياحي وتعرف على أحد سكان البلدة وعمل معه بمجال السياحة،  وبعد سنوات قليلة قام بالاستيلاء على عقاره وشرعت جمعية العاد بالسيطرة على أملاك المواطنين تحت قانون "أملاك الغائبين" في حين يمنع هذا القانون العرب من العودة إلى منازلهم في غربي القدس "كالطالبية والبقعة وغيرها"، وبمساعدة بما يعرف الصندوق القومي "الكيرن كيمت" بمصادرة الأراضي ونقل أملاكها إلى جمعية العاد الاستيطانية.

وتولت جمعية العاد مسؤولية حماية وحفظ "الحديقة الوطنية"  المسماة "مدينة داود" والتي تشرف عليها "سلطة الطبيعة والحدائق"، في حين ضاعفت سلطة الآثار عمليات التنقيب والحفريات بصورة مخالفة لكل القوانين.

وساهمت وزارة السياحة بجلب السياح اليهود والأجانب من أنحاء العالم لزيارة ما أسمته "مدينة داود" والتي أصبحت محجا للسياح.

في حين عرضت جمعية العاد الرواية التوراتية اليهودية بالصور والأفلام لاغيه كل اجزاء واسعة من الحضارات العريقة التي تعاقبت وتركت آثارها في المنطقة .

ساحة باب المغاربة

اثر عملية مسلحة قام بها عدد من الشبان الفلسطينيين عام 1981 ضد قوات الاحتلال "وحدة جفعاتي" وقتل فيها 6 جنود قامت سلطات الاحتلال بتسمية ساحة باب المغاربة (وادي حلوة ) بساحة جفعاتي وضعت سلطات الاحتلال اليد على الساحة وحولتها الى موقف "جفعاتي" خاص للمستوطنين، وتحاول جاهدة منذ سنوات اقامة مشروع "مجمع كيدام – عير دافيد- حوض البلدة القديمة"، مخصص لاستخدام علماء ودائرة الاثار الإسرائيلية، اضافة الى قاعات مؤتمرات وغرف تعليمية، ومواقف لسيارات السياح والمستوطنين، ومكاتب خاصة لجمعية العاد الاستيطانية،

 كانت ساحة باب المغاربة مصدر رزق رئيسي لسكان حي وادي حلوة ومقرا وملتقى للتجار الفلسطينيين لبيع بضائعهم للسياح إضافة الى بيع المثلجات والمأكولات لهم،  وفي ساعات الليل كانت الساحة تعتبر المنفس الوحيد لأطفال وشبان الحي بتحويلها الى مكان للتدريب على رياضية "كرة القدم"، وكانت الساحة تعتبر ملعب تدريب رئيسي لنادي "اهلي سلوان الرياضي" الذي اغلق ابان الانتفاضة الاولى .

الحارة الوسطى

كان أهالي بلدة سلوان يقسمون جغرافيا البلدة بالحارة الفوقا والحارة الوسطى والحارة التحتا، وفي عام ، 1882 هاجر يهود اليمن الى الأراضي الفلسطينية وسط دعوات المنظمات الصهيونية حينها ليهود العالم بالهجرة الى فلسطين، وبعد رفض اليهود الغربيين استقبالهم في تجمعاتهم كونهم شرقيين، استقبلهم أهالي سلوان 1884 واسكنوهم في الحارة الوسطى ، وعاش اليهود مع اهالي سلوان سنوات عديدة باستقرار وسعادة حتى عام 1936م، بعث اليهود اليمن رسائل شكر وامتنان لاهالي سلوان على السنوات التي عاشوها سويا.

عبرنة أسماء المناطق والشوارع

عملت بلدية الاحتلال على تغيير أسماء شوارع ومناطق سيما داخل البلدة القديمة من القدس وفي بعض البلدات المحيطة بها والتي يوجد فيها بؤر استيطانية لطمس الواقع وتزييف التاريخ والحقائق ، وحيث أن الهجمة تتركز في سلوان على وجه الخصوص تم بالفعل تغيير أسماء الشوارع والأزقة الغربية في البلدة إلى العبرية لطمس الحقائق وشرعنة الاحتلال وعبرنة المنطقة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر من الشوارع التي تمت عبرنة أسمائها شارع وادي حلوة..."معلوت عير دافيد"، حي البستان "جان هميلخ" أي حديقة الملك، منطقة وادي حلوة "مدينة داود"، شارع التربة "شارع هعوفل"، ساحة باب المغاربة "موقف جفعاتي"

سلوان والصراع من أجل البقاء

منذ أن كانت سلوان حاضنة القدس والدرع الجنوبي لحمايتها من الغزوات قدمت مئات الشهداء دفاعا عن القدس وثراها الطهور، وعن سلوان ذاتها للإبقاء على عروبتها وصيانة أراضيها... عدا عن تقديمها الآف الجرحى والمعتقلين والمبعدين .

واليوم أمام الحملات الاستفزازية والاعتقالات وهدم المنازل والاعتداءات المتكررة من المستوطنين فإنها تشكل واجهة صراع حقيقي ونضال متواصل من أجل البقاء عربية الأصل إسلامية العقيدة... والتجذر في أرض الآباء والأجداد .

فالسلطات الإسرائيلية والمستوطنون لم يكفوا عن السعي الدؤوب لتهويد المنطقة ولعل اعلان السلطات الإسرائيلية نيتها هدم حي البستان وإقامة الحوض المقدس والحدائق التوارتية وتسليم أصحاب المنازل قرارات هدم إدارية قد أشعل فتيل المواجهة مع السلطات الإسرائيلية والمستوطنين.

ولا يمر يوم إلا ويمطر السكان بقنابل الغاز والقنابل الصوتية والأعيرة المطاطية في المواجهات مع السكان الذين يدافعون عن وجودهم وحياتهم وأرضهم.

ولم تتوقف الاعتداءات والاستفزازات على الأحياء والأهالي إنما لحقت بالأموات، بقرار اسرائيلي صادر أجزاء من مقبرة "السلاونة" اضافة الى زرع قبور وهمية في اراضي واسعة بالبلدة .

مقبرة السلاونة "باب الرحمة"

قضت المحكمة الإسرائيلية العليا بمصادرة 180 متر مربع من أراضي الجزء الجنوبي من مقبرة باب الرحمة، والتي هي أراض وقفية إسلامية، وهدمت سلطات الاحتلال عدة قبور بعضها احتوت على رفات مواطنين، وجزء منها كان فارغا، وتسعى السلطات الاسرائيلية من وراء ذلك لاستخدامها كمسار سياحي.

كما قامت بلدية الاحتلال بتوسيع شارع على حساب "مقابر الاطفال" الخاصة بالسلاونة في القسم الشرقي من مقبرة باب الرحمة.

والجدير بالذكر أن مقبرة باب الرحمة تضم قبري الصحابيين الجليلين عبادة ابن الصامت وشداد ابن اوس، مما يؤكد على أهمية المقبرة الإسلامية.