طباعة

ما وراء الجدران، بعيدًا عن عدسات الكاميرات... شهادة الأسير المقدسي محمد عطون تكشف سياسة التعذيب وسوء المعاملة في السجون الإسرائيلية
November 2, 2025

تُشكّل شهادة الأسير المحرر محمد محمود عطون نموذجًا حيًّا وواقعًا يوميًا لسياسة التعذيب وسوء المعاملة الممنهجة التي تمارسها سلطات الاحتلال بحقّ الأسرى الفلسطينيين، وهي توثيق دقيق لأوضاع اعتقالية قاسية يعيشها الأسير الفلسطيني بعيدًا عن عدسات الكاميرات وضجيج الأخبار.

وتُعدّ شهادة الأسير المحرر محمد عطون لمركز معلومات وادي حلوة- القدس، وثيقة حيّة عن القهر اليومي الذي يعيشه الأسرى في سجون الاحتلال، بما يتضمنه من تعذيب وإذلال متعمّد، وضرب وإهمال طبي، واكتظاظ داخل الزنازين، في مشهد متكرر يعكس عمق الانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية.

نص شهادة الأسير المحرر محمد عطون

قال الأسير المحرر عطون:" اعتُقلتُ في بداية عام 2023 مع شقيقتيّ قسام ودجانة، على خلفية التهمة التي وُجهت إلينا، وبعد قرابة سنة وشهر من الاعتقال، أُفرج عني بشرط الحبس المنزلي إلى حين انتهاء الإجراءات القانونية ضدي، مع تقييدي بسوار إلكتروني يحدد حركتي وتنقلاتي داخل المنزل".

"خلال فترة الإفراج المنزلي، استمرت الجلسات والإجراءات القانونية إلى أن صدر الحكم ضدي بالسجن الفعلي لمدة عامين، وفي بداية شهر أيار/مايو الماضي سلّمت نفسي لإدارة سجن الرملة، لتبدأ رحلة جديدة من العذاب والقهر والتنكيل" أضاف عطون.

وتابع عطون:" عند وصولي إلى السجن، طلبوا مني تبديل الملابس التي حضرت بها إلى ملابس السجن المعروفة بـ "الشاباص" (بنيّ اللون)، وخلال وجودي في غرفة الانتظار، اقتحم خمسة من السجّانين الغرفة لنقلي إلى الأقفاص التي تسبق "البوسطة"، مشينا قرابة كيلومتر واحد وكنت مقيّد اليدين، فتمّ سحبي بعنف حتى سقطت أرضًا، وواصلوا ضربي وركلي ببساطيرهم الثقيلة، فيما كانت أيديهم تنهال عليّ بكفوفٍ قاسية... كنت قد أخبرتهم مسبقًا أنني أعاني من مشاكل في العظام وديسكات في الرقبة والظهر، وقدّمت لهم التقارير الطبية، لكنهم لم يكترثوا، بل إن الضابطة كانت تطالبهم بمواصلة ضربي.

في ساعات المساء، نُقلنا إلى "البوسطة" ومنها إلى "معبار سجن بئر السبع"، وبعد تفتيشنا هناك، أخذوني إلى مكان لا توجد فيه كاميرات مراقبة، وهناك بدأوا ضربي مجددًا على الصدر والوجه والأقدام، ما تسبب في كسر ثلاثة من أسناني وجرح في الشفة، ورغم نزيف الدماء والأوجاع، لم يُقدَّم لي أي علاج.

وتابع الأسير المحرر محمد عطون: "في اليوم التالي نُقلت إلى سجن نفحة، كانت القيود بالأيدي للخلف، ونُجبر على الجلوس على الركبتين في جميع مراحل التوقيف والنقل، وأثناء وجودي في نفحة، وبينما كنت بهذه الوضعية، قام أحد الضباط بضربي بعصا على رأسي من الجهة الجانبية، ففقدت الوعي قبل أن يتم نقلي إلى الغرف لقضاء فترة الحكم.

الأوضاع داخل السجون

أكد الأسير المحرر محمد عطون أن الأوضاع في السجون الإسرائيلية مأساوية للغاية.

وتحدث عطون عن تفاصيل الأوضاع في السجون وقال:" الغرف مكتظّة — الغرفة التي تتسع لستة أو ثمانية أسرى يُحتجز فيها ستة عشر أسيرًا، داخل الغرف يُفرض علينا الالتزام بمسافات محددة لا يُسمح بتجاوزها أو فرش الأغطية عليها/ عدد الأسرة لا يكفي، فيضطر الأسرى للنوم متلاصقين أو على الأرض، ويفترش الأسرى فرشات النوم الرقيقة وبعضها دون أغطية، ما يؤدي إلى انتشار مرض الجرب (السكايبوس).

أما الطعام فقليل جدًا ولا يسد الجوع، الخبز شرائح محدودة، وأحيانًا يكون الطعام فاسدًا فنضطر لأكله فلا يوجد أي خيار أمام الأسير، كنا نجمع الوجبات معًا لتصبح وجبة واحدة فقط كي نشعر بالشبع، الطعام يُقدَّم وفق جدول أسبوعي، وغالبًا ما يكون غير مستوٍ.

أما "الفورة" (الاستراحة في الساحة) فليست يومية، وبعد صفقة الأسرى الأخيرة تم تقليصها بشكل كبير.

أدوات النظافة شبه معدومة: الشامبو، معجون وفرشاة الأسنان بكميات قليلة لا تكفي، ولا يوجد مقص أظافر أو ماكينة حلاقة.

حتى الصلاة الجماعية يجب أن تكون بصوت منخفض، لأن رفع الصوت يعني اقتحام الغرف والأقسام فورًا.

يوم القمع الكبير – 13 آب/أغسطس

في 13 آب/أغسطس، شهدنا يومًا من القمع الشديد بحضور الوزير إيتمار بن غفير.

وقال الأسير المحرر عطون:" اقتحمت قوات الاحتلال ثلاث غرف، وأُخرج جميع الأسرى إلى الساحة الخارجية — ظننا بداية أنها "فورة"، لكننا فوجئنا بأننا مقيّدون أيدينا إلى الخلف وأُجبرنا على النوم على الأرض، وكان عددنا قرابة أربعين أسيرًا.

اقتحمت وحدات القمع المكان وأطلقت القنابل الدخانية والصوتية وغاز الفلفل، ثم أطلقت الأعيرة المطاطية نحو أطرافنا السفلية، ما أدى إلى إصابة أربعة أسرى، وحتى وحدة الكلاب شاركت في الهجوم.

من الساعة 11 صباحًا حتى السادسة مساءً بقينا على هذا الحال، حضر بن غفير بنفسه لمدة 15 دقيقة، وجّه خلالها الشتائم والألفاظ النابية لنا.

وقال عطون:" لا أبالغ إن قلت إن الأرض كانت مبللة بعرقنا من شدة الحرارة والضغط النفسي والجسدي".

وأضاف:" عدنا إلى الغرف منهكين، لكن بعد ساعة فقط أُعيد إخراجنا منها، وقُيّدنا من جديد، وأُجبرنا على النوم على الأرض وسط استمرار الضرب والإهانات حتى منتصف الليل.

خلال الشهر ذاته، اقتحم بن غفير قسمين آخرين في السجون، وحدث الأمر نفسه مع الأسرى هناك.

هذا الاعتقال لم يكن الأول في حياة الشاب المقدسي محمد عطون؛ فقد اعتُقل للمرة الأولى وهو في الخامسة عشرة من عمره، وقضى في سجون الاحتلال خمس سنوات متفرقة.

شهادة الأسير المحرر محمد عطون هي مرآة لسياسة قمع ممنهجة، تُمارسها سلطات الاحتلال ضد كل الأسرى الفلسطينيين.